الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
تلوح للإنسان في حياته لحظات مهمة، يستطيع أن ينجز فيها ما لا يُنجِز في غيرها، وقد تمتد الآمال بالإنسان وهو يسعى لتحقيق آماله فلا يظفر من ذلك بشيء رغم تطاول الزمن.
ولعل مما يؤرق المسلم كيفية إفادته من كنوز هذا الكتاب العظيم (القرآن)، وبما أننا مقبلون على رمضان وهو شهر القرآن، فهذا من الفرص المتاحة لتحقيق شيء من هذا المطلب العظيم، والسبيل لتحقيق ذلك هو تدبر القرآن، وقد يقول قائل: وكيف ذلك؟
بداية، أود أن أبين أنّ الكلام موجَّهٌ للجميع، لا يختص بمرتبة علمية، ولا بنوعية خاصة، فالمسلمون جميعًا مطالبون بفهم كتاب ربِّهِم، وسأذكر هنا بعضًا مِن الأفكار التي تفيد في إيجاد تدبر عملي في شهر القرآن (رمضان):
1- تحديد سورة معينة، ولتكن سورة متوسطة الطول، ويمكن أن يتم ذلك كما يأتي:
أ) تعيين السورة قبل دخول الشهر.
ب) قراءة السورة يوميًا أو قدر خاص منها، المهم التواصل اليومي مع السورة المحددة.
ج) تجهيز دفتر خاص لكتابة الفوائد واللطائف والاستفهامات.
د) محاولة معرفة صُوَر التناسب بين بداية السورة ونهاية السورة التي قبلها.
ه) العناية ببداية السورة واستخراج الفوائد منها.
و) معرفة أسباب النزول إنْ وجدت.
ز) تحديد الكلمات أو الجمل التي تتكرر في السورة، ومحاولة تفسير ذلك.
ح) تسجيل الأفكار الرئيسة التي تدور حولها السورة، ووضع عنوان عام يجمعها جميعًا.
ط) استخراج الأحكام الواردة، أو الأخلاق، والنظر هل أنت مُطبِّقٌ لها، عامِلٌ بها؟
هذه أفكار ومراحل عملية، تجعلك تعيش مع السورة فترة طويلة، قد تستغرق الشهر كله، ولا تستعجل الثمرة، وقيّد كل ما تراه يستحق التقييد، والله يرعاك ويوفقك.
2- قراءة القرآن كاملاً.
يحرص كثيرٌ من المسلمين على ختم القرآن في رمضان، وهذا أمر طيب، ولا يتنافى مع ما ذكرناه من تحديد سورة معينة، ومع هذا يمكننا أن نستثمر قراءتنا لجزء واحد يوميًّا في رمضان، بحيث نقرأ وفي الوقت ذاته نتدبر، وقد نقول وكيف ذلك؟
الجواب في الخطوات الآتية:
أ) احرص على إتمام الجزء المخصص في يومه المخصص.
ب) استخرِجْ مِن الجزء الذي تقرأ ما يتعلق بالأخلاق، وإنما قلنا ذلك؛ لأن رمضان دورة عملية لتهذيب سلوكِنا وأخلاقنا، فلمَ لا نجعل الموَجِّه لنا هو القرآن؟
ج) سَجِّل الخُلُق على ورقة، سواء أكان مأمورًا به أم منهيًا عنه.
د) اسأل نفسك هل تطبق هذا الخُلُق المأمور به، أو تنتهي عن الخُلُق المنهي عنه.
ه) عَدِّل سلوكك على ضوء هذه الأخلاق القرآنية، ستجد أنك يوميًا تتحسن، وتطبق آيات القرآن، وهذه ثمرة التدبر الحقيقية.
و) إذا كثر عليك الأمر، فاستخرج من الجزء كله صفة واحدة محمودة، وأخرى مذمومة، وافعل المحمودة، واترك المذمومة.
إذا انتهى رمضان وقد التزمت بهذا المنهج، تكون قد مارستَ ثلاثين خلقًا حسنًا، وأنتهَيْتَ عن ثلاثين خلقًا سيئًا، ولا تنزعج من تكرار الخلُق، فلا بأس بذلك؛ لأن تكراره في القرآن يعني أهميته.
ز) سجِّل الملحوظات اللطيفة التي تظهر لك في دفترك الذي خصصته لهذا الغرض.
بإذن الله ستشعر أنك استثمرت القرآن في شهر القرآن، وأن القرآن قد أسهم في تغيير سلوكك.
هاتان فكرتان سريعتان عمليتان، اختَرْهُما جميعًا أو إحداهما، وامضِ على بركة الله، وخطِّط للأمر مبكّرًا، وانقل الفكرة لغيرك، لعل الله أن ينفع بها.
رمضان وتدبر القرآن
د. عويض بن حمود العطوي